فلج الأفلاج بين الآثار والتراث

منذ 11 شهر

الأستاذ/عبد العزيز بن محمد المفلح

 عضو منتسب للجمعية

 للعناية بالآثار ودراستها قيمة تاريخية كبيرة في حياة الأجيال ، حيث تربط الماضي بالحاضر ، وتدلنا على حضارات غابرة ، وتاريخ عريق ، ومجتمعات سابقة ، وما فيها من قوة أو ضعف ، وما كانوا عليه من نعيم مقيم ، أو حياة قاسية . ولذا أمرنا الله بالسير في الأرض والنظر كيف كانت الأقوام قبلنا ، والاعتبار بهم ، وذكر لنا تعالى آثار أقوام خلت كقوم سبا وعاد وثمود ، وذلك للاعتبار والعظة (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) وفي الأفلاج كثير من الآثار التي تعكس حياة حضارات خالية ، حيث أرجع المؤرخون تأريخها إلى آلاف السنين ، فقد عاش على أرضها الفينيقيون (الكنعانيون) وبعض من قوم عاد، وأصحاب الرس، وطسم وجديس، وغيرهم من العرب البائدة ... ثم كندة ... ثم انحدر إلى الفلج في العصر الجاهلي بنو كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فبنوا القصور، وأقاموا الدور، وشقوا القنوات وأكملوا مسيرة الحضارات وهم: بنو جعدة وبنو قشير وبنو الحريش وبنو عقيل.. والفلج وهو اسم قديم للأفلاج تبعد عن الرياض جنوباً بنحو 300 كيل، وكانت ولاتزال بيئة جاذبة لما تتمتع به من عيون جارية في تاريخها القديم متدفقة ، وتربة خصبة ، قال الأصفهاني (ت 310هـ ): وبالفلج نخيل ومزارع وأنهار، وقال أبو الدنيا (فلج الأفلاج نخل لبني جعدة كثير، وسيوح تجري مثل الأودية ) وقد أطال جون فيلبي الحديث عن سيح الأفلاج حينما زارها عام 1336هـ - 1918م وذكر خصونها ونخيلها وقنوات الري بها . 1) أنظر دراسات في التاريخ القديم _محمد بيومي مهران _ ومجلة قافلة الزيت 1390هـ والفلج قديمة الذكر والاستيطان، فقد ذكرها الشعراء الجاهليون كامرئ القيس، ولبيد بن ربيعة، والنابغة الجعدي، كما ذكرها شعراء بني جعدة وبني قشير في القرن الهجري الأول، وأسهبوا في وصفها والتغني بها، والحنين إليها . كما ذكرها البلدانيون القدماء كإبراهيم الحربي (ت 285هـ ) والأصفهاني (310 هـ) والهمداني (ت 345هـ) والبكري (ت487هـ) والحازمي (ت584هـ) والحموي (ت626هـ) وغيرهم . وأشاد بها الرحالة والمستشرقون، يقول جون فيلبي (الأفلاج أكثر أقاليم وسط الجزيرة العربية عظمة)فليس غريباً على مكان يتصف بالقدم، وله تاريخ عميق، وتراث أصيل أن يكون زاخراً بعشرات الآثار على ظاهر الأرض وفي باطنها ولعلي في هذا المقال المتواضع أشير إشارات مختصرة أو أسرد سرداً لبعض الآثار التي تدل على حضارات سابقة عريقة.. فمنها على سبيل المثال لا الحصر : (القصر العادي) الذي ذكر الهمداني أنه من زمن طسم وجديس، ويسمى حالياً : قصر الحائط و(قصر مرغم )وهو من قصور بني جعدة، ويسمى حالياً: قصر العنقري وكلا القصرين بسيح الأفلاج . كما يوجد قريباً من السيح قصيرات عاد، وقد ذكر الحازمي والحموي أن الفلج من مساكن عاد، حيث امتدوا وانتشروا من الأحقاف إلى اليمامة ومنها الأفلاج . ومن المعالم (العيون ) التي اندثرت وجفت قريباً، كان آخرها جفافاً عام 1415هـ بسبب عوامل الجفاف في الأزمنة المتأخرة. وحولها مستوطنة قديمة بها خنادق ومدافن وغرف وبقايا فخار، ومن المعالم ( جبل التوباد ) بالغيل الذي تغنى به شاعر الحب والغزل قيس بن الملوح (ت68هـ) في قصة حب غرامية عاطفية مشهورة. وهذا الجبل هو الذي قال فيه قيس : وأجهشت للتوباد حين رأيته وكبر للرحمن حين رآني وأذرفت دمع العين لما عرفته ونادي باعلى صوته فدعاني وفي الغيل (قصر الصعداء) وهو قصر مهيب ، بني على سفح جبل صخري وفي حراضة (قرية تراثية) وبقايا قصور بني جعدة العامرية. وفي مدينة البديع (قصر سلمى)وهو قصر كبير، وحصن منيع، لايزال سامق الجدران، عالي الأبراج. وهو حصن العقيدة الذي ذكره الهمداني كان لبني قشير، ثم الجميلات، ثم الدواسر وشرق البديع (قرية صداء) التي كانت تضرب بها المثل في عذوبة مائها، ولايزال كثير من قلاعها وحصونها باقياً إلى اليوم، وفي مدينة الهدار (قصر صبحا ) وهو قصر أثري قديم، شاهق الارتفاع خرج منه آل صباح حكام الكويت، وآل خليفة حكام البحرين، والجلاهمة وفي الأحمر (قصر بلصفر) وهو عالي البنيان، وربما أنه قصر بني صهيب الذي ذكره الهمداني في أكمة وفي العمار (القرية التراثية)التي تم تأهيلها مؤخراً. وفي مدينة ليلى كثير من الآثار التي اندثرت، وقد ذكرها الهمداني، منها مدينة الهيصمية ، وسوق الفلج على جانب وادي أكمة،والجدول والزرنوق وغيرها. وفي الخرفة والروضة والصغو ، وفي سويدان ومروان والرزيقية وأسيلة والشطبة كثير من القصور الأثرية، والحصون والقلاع، مما يدل على استيطان أجيال متعاقبة ، ولاتخل قرية في الأفلاج إلا وفيها أثر قديم . أما النقوش والكتابات الأثرية فهي قليلة، ففي جبال الظهرة الجنوبية بالهدار نقوش ثمودية، وفي ضلع الأقرع بالمقرن وضلع العبيد في أقصى جهات الأفلاج الجنوبية كتابات مسندية. هذه ومضة عن الآثار في بلاد الأفلاج ، وللحديث بقية بإذن الله . وفي الختام ينبغي المحافظة على تلك الآثار ، للعظة والعبرة والتاريخ، كما قال أبو الهيثم المعري لما رأى رجلاً يقلع حجارة من أطلال قديمة فقال : أمتلفها شلت يمينك خلها لمعتبر أو زائر أو مسائل "انتهى"