الرياض.. تاريخ زاخر، وحنين لحميمية الطين..

منذ 11 شهر

الدكتور/ شاهر النهاري

من يزور اليوم الرياض، عاصمة المُلك والنهضة، والرؤية السعودية، فلاشك أنه سيتساءل عن تاريخها القديم، وبدايات النشأة والتكوين، وحميمية القرب، والتلاصق، والطبيعة البكر، ليتعرف على مسيرة التطور والنمو العمراني والحضاري، وكيف كانت وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه من نهضة حديثة أثارت إعجاب وانبهار العالم.

الرياض.. زنبقة الصحراء، وطوب الطين والقش، وبساط الحصير، وجيرة التواصل، وندرة السيارات، كانت أول ما شاهدته قبل نصف قرن، وأنا طفل أنظر إليها إكباراً، بدهشة قدومي من بلدة أبها حيث اخضرار قمم جبال السروات.

كانت الرياض بسيطة وادعة لم تكن تعرف الصخب والزحام، وهرولة الناس، شوارع محدودة متقاربة، وكان أحدثها شارع المطار، ويمر موازيا له شارع الأحساء، كانت الأحياء صغيرة، بعضها يضاء بالكهرباء، وبيوتها غالباً ذات دور واحد، وكثير منها بُني من الطين، وقليل من البيوت لديها مراوح متحركة أو معلقة بالسقوف، والأكثر ثراءً من يمتلك مكيفاً صحراوياً.

أسماء شعبية للأحياء، منها شِلَّقَا والْفُوطَة وخَنْشَلِيلَة، المعيقلية، المَرقَب، والسِويدي، والحِلة، والعَطايف، والوشم، ودُخنة، والعود، والشِميسي، الذي يتوسطه مستشفى الشميسي العام، وأمامه يمتد شارع الأقواس، وغير بعيد منها تنتصب عمارة الباخرة المدهشة!!

الأحياء كان لها سماتها المميزة.. حي الملز بمضمار سبق الخيل، حي الضباط الجديد وبيوته الجديدة، بجوار جبل أبو مخروق، حارس التاريخ المجيد الحاكي عن قصة دخول الملك عبدالعزيز إلى الرياض، واستعادة ملك أجداده، شارع البطحاء، وشارع الوزير، شارع الثميري، أسواق ودكاكين، تستأثر بالحركة التجارية.

الذاكرة ما تزال تسجل الأطفال في الأحياء وهم يدورون بصخبهم، ويمارسون الألعاب الشعبية، والمحظوظ منهم من يمتلك دراجة هوائية، المذياع كان يلتقط إذاعة الرياض، وفي هجعة الليل، بعض الإذاعات العربية، والأجنبية، والهاتف الأسود بجرسه الحاد، كان أعجوبة في هذا الزمان، وما كان يمتلكه إلا القليل.

الرياض.. تاريخ حافل.. بين ماضٍ بسيط، ونهضة سابقت وسبقت من سبقوها، وتطور مدهش يفوق حدود التصور، مبانٍ شاهقة شاهدة على حضارة حديثة، عندما أغمض عيناي وأستعرض دفاتر عمري القديمة، بصورها الحميمية البكر، أتذكر ذكرياتي العاشقة لرائحة الطين.

"انتهى"